ولقد كان ربط صلاح الحكم بالوقت هو أداة الفخر الرازي في الفرار من مأزق نسبة النقص إلي الله؛ فإنه إن قيل: لو كان( الحكم) الثاني( الناسخ), أصلح من الأول( المنسوخ), لكان الأول ناقص الصلاح, فكيف أمر الله به؟ قلنا: الأول أصلح من الثاني بالنسبة للوقت الأول, والثاني بالعكس.
إن الصلاح هنا هو المبدأ التأسيسي, وأما الحكم الذي يتحقق من خلاله هذا الصلاح, فهو الحد الإجرائي; وبحسب تقرير الرازي فإن الحكم, أو الحد الإجرائي المحقق للصلاح, قد يتحول في غير وقته إلي عائق يمتنع معه تحقيق الصلاح, فيلزم رفعه بالنسخ.
الغريب, هنا, أن تجربة الجيل الأول من المسلمين تشير إلي حقيقة أنهم- ورغم انقطاع الوحي- قد رفعوا من الأحكام, ما أدركوا فيه حائلاً يمنع تحقيق الصلاح؛ وكان ذلك استناداً إلي وعيهم العميق بالمنطق الذي يحكم علاقة كل من الوحي والعقل والواقع. ولعله يلزم الإشارة, هنا, إلي ما جري بخصوص الأحكام المتعلقة بسهم المؤلفة قلوبهم, وتوزيع الغنائم علي الجند الفاتحين, والحد المفروض علي شارب الخمر وغيرها مما أدرك فيه الصحابة أن صلاحه مرتبط بوقت تنزيله, وأن شروط صلاحه قد ارتفعت, ولم تعد قائمة. فهل يقدر حمقي هذا الزمان الحكمة من وراء ذلك فيميزون بين التأسيسي والإجرائي في القرآن؟