إنّها الثرثرة تخلق المشكلات , إنّه اللسان يثير النعرات , فلو كان للناس أن يلجموا ألسنتهم عن الكلام لما كان بينهم خصام ـــ فلألجم لساني !
وهكذا سكتّ عشرة أيام متتالية لا أنطق بكلمة إلّا إذا دعاني المعلم في الصف للكلام , فما لبثوا أن كفّوا عن محاولاتهم وتركوني وحدي في القوقعة التي خلقتها لنفسي من الصمت والسكينة ـــ ولقد كانت قوقعة دافئة هانئة فسيحة ـــ تمنّيت لو أعود إليها الآن فأبصر وأسمع وألمس جميع الأخيلة والهواجس والأفكار والأحلام التي كانت تعمّر بها
انتهت مدّة الصمت, فرفعت اللجام عن لساني, وعدت سيرتي الأولى بين رفاقي ـــ من بعدها أخذت أشعر أنّني وإن انسجمت في الظاهر مع بيئة أنا فيها , ففي داخلي ما يجعلني أبداً غريباً عنها , وهذا الشعور بالغربة ما انفكّ ينشط ويزداد على مرّ السنين ـــ حتّى بتُّ أعيش في عالمين: عالم خلقته من نفسي لنفسي , وعالم خلقه الناس للناس ـــ والعالمان يتجاوران في حياتي ولكنّهما لا يتزاوجان